شارك
من هم الوهابية وما هي عقيدتهم؟
سؤال
السلام عليكم ورحمة الله. لدي استفسار عن الحركة الوهابية: ما هي الحركة الوهابية؟ وما هي مبادئها وأفكارها؟ وهل تتبع منهج السلف الصالح أم تختلف عنه؟ خاصة أن أتباعها اليوم يسمون أنفسهم بالسلفية بدعوى أنهم يتبعون السلف. فما هي أفكار هذه الحركة؟ وهل هم على الحق أم على الباطل؟
الإجابة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وألحقنا بعبادك الصالحين. أما بعد:
الحركة الوهابية ظهرت مع محمد بن عبد الوهاب. كان محمد بن عبد الوهاب واعظًا بدأ في طلب العلم، لكنه لم يكن متمكنًا في العلوم الشرعية بالشكل الذي كان عليه العلماء في زمانه. ومن يقرأ كتبه يلاحظ أن غالبية ما كتبه يحمل طابعًا خطابيًا أكثر من كونه علميًا.
هذا الرجل اكتشف فجأة أنه كان يجهل معنى لا إله إلا الله، وكذلك أباؤه وأجداده وجميع العلماء منذ قرون طويلة لم يفهموا معناها كما يجب. واعتقد أن المسلمين إذا قالوا لا إله إلا الله بهذه العقلية التي هي في عصره، والذي كان العصر العثماني، يعتبرون مشركين ولا يدخلون الجنة، بل يخلدون في النار، لأنهم يقولون لا إله إلا الله ولا يفهمون معناها.
نتيجة لذلك، اعتبر المخالفين له في فهم لا إله إلا الله مشركين وأجاز دماءهم هو وأصحابه، وحصلت حروب ومعارك بينهم وبين الدولة العثمانية. من أبرز الحملات التي قامت عليهم حملة محمد علي باشا، الذي كان واليا لمصر في الدولة العثمانية، أرسل ولده وقاتلهم، وحصلت معارك كثيرة إلى أن استقر لهم الأمر في العصر الحديث.
في الحقيقة، يمكن القول إن جزءاً كبيراً من دعوة الوهابية قائم على أمرين رئيسيين: الأول هو الدعم الكبير الذي تلقوه من الدولة، والثاني هو وجودهم في الحرمين الشريفين. إذ كان الكثيرون يتعرضون لهذا الفكر أثناء الحج والعمرة، حيث كانت توزع عليهم كتب مجانًا مبسطة تحتوي على شبهات حول عقائدهم ومذاهبهم. وبالتالي، إما أن يتشككوا أو يتبعوا هذا الفكر.
أولاً، يعتقدون أن كل ما ورد في القرآن والسنة من ألفاظ مضافة إلى الله تعالى يجب أن تُفهم على ظاهرها، وينفون المجاز تمامًا. مثل لفظ “في السماء” يحملونه على ظاهره ويعتبرونه دليلاً على جهة العلو الحقيقي. ولا يقبلون التأويل بشكل من الأشكال ويعدونه تعطيلاً للصفات.
أما أهل السنة والجماعة، فلهم مذهبان معروفان: الأول هو التفويض، حيث يعتقدون أن الله أعلم بمراده مع التأكيد على أن المعنى الظاهر الذي قد يوهم التجسيم غير مراد. والثاني هو التأويل بما يناسب المقام على حسب لغة العرب. الوهابية يرفضون كلا المذهبين ويصفونها بالتعطيل، ويتهمون أهل السنة والجماعة بأنهم جهمية، وهي فرقة ضالة كانت تعطل صفات الله سبحانه وتعالى.
ثانياً، تكفير أهل لا إله إلا الله، بحجة أنهم لم يحققوا شروطها. يستندون في ذلك إلى تقسيم التوحيد الذي وضعه ابن تيمية إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. ويعتقدون أن توحيد الربوبية يعني الاعتراف بأن الله هو الخالق والرازق، ولكنه لا يكفي وحده للنجاة في الآخرة، ويشبهون ذلك بتوحيد المشركين.
توحيد الألوهية يعني إفراد الله تعالى بالعبادة، وهذا الذي عليه المعول، ولكنهم يتوسعون في هذا المفهوم ويدخلون أمورًا أخرى ليست كما يفهمونها. توحيد الأسماء والصفات وبناءًا عليه دخلوا في التجسيم، فهم يصرون على إثبات النصوص على ظاهرها، ويعتبرون ذلك توحيدًا.
بناءً على هذا الفهم، يعتبرون التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام أو بالأولياء والصالحين بدعة ضالة تقدح في التوحيد، أما الاستغاثة فيعتبرونها شركًا، ويشبهون من يقوم بها بكفار قريش. وقد صرّح ابن عبد الوهاب في كتابه “كشف الشبهات” أن من يستغيث بالنبي عليه الصلاة والسلام يُعد أشد كفرًا من أبي جهل وأبي لهب وسائر المشركين.
التصوف عند الوهابية يعدونه بدعة وضلالة، ولا يفرقون بين متبع وغير متبع، بل يرون أن كل الصوفية مبتدعة وضالون. ويصنفونهم إما مشركين في الربوبية أو مبتدعين، وذلك حسب درجتهم. فمثلاً، من يستغيث يُعتبر مشركًا، بينما من يتوسل يُعد مبتدعًا.
أما بالنسبة لمسألة اعتبارهم خوارج، فقد صنف علماء الدولة العثمانية الذين عاصروهم أتباع محمد بن عبد الوهاب على أنهم من الخوارج. وقد نص على ذلك الشيخ ابن عابدين في حاشيته، حيث قال: “ومن الخوارج في زماننا أتباع محمد بن عبد الوهاب.”
لكن هل هم بالفعل خوارج؟ من سمات الخوارج، كما ذكر ابن عمر رضي الله عنهما في حديثه المروي عن البخاري، أنه قال عن الخوارج: ” أولئك شرار الخلق عمدوا إلى آيات من كتاب الله نزلت في المشركين فجعلوها في المؤمنين”. وهذا يتجلى في منهج الوهابية، حيث يجعلون كل آية نزلت في وصف المشركين في مخالفيهم من أهل القبلة.
مثلا في تفسير قوله تعالى: “ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى”، يقولون هذا الصوفي الذي يتوسل أو يستغيث بولي من الأولياء، يعبده من أجل أن يقربه عند الله تعالى. وهكذا كل آية جاءت في ذم الشرك والمشركين يجعلونها في أهل القبلة المخالفين لهم.
كذلك هناك قضية خطيرة عند الفرقة الوهابية وهم لا ينتبهون إليها، حيث يقولون إن التوسل والاستغاثة بالنبي عليه الصلاة والسلام جائزة في حياته، لكنها تصبح شركًا بعد وفاته. وهذا القول ينطوي على عدة مشكلات.
المشكلة الأولى فيها إثبات أثر للنبي عليه الصلاة والسلام في حياته، وعند أهل السنة في توحيد الأفعال لا يمكن أن يكون مؤثر سوى الله سبحانه وتعالى. فحينما يقولون إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يؤثر في حياته ولكنه لا يؤثر بعد وفاته، فهم بذلك يقدحون في توحيد الأفعال. بينما عند أهل السنة، لا مؤثر في الكون إلا الله سبحانه وتعالى، فلا النبي عليه الصلاة والسلام ولا غيره يؤثر بذاته سواء في حياته أو بعد وفاته، بل الله وحده هو الذي يحدث الأثر عند النبي، وليس به.
المشكلة الثانية هي قولهم بأن الاستغاثة بالنبي جائزة في حياته، ولكنها تصبح شركًا بعد وفاته. فإذا كان الشرك محرمًا بعد وفاته، فكيف يكون حلالاً في حياته؟ إذ أن الشرك يمس أصل الإيمان ولا يمكن أن يكون حلالًا، سواء في حياة النبي عليه الصلاة والسلام أو بعد وفاته. فكيف يمكن أن تكون الاستغاثة التي يرونها شركًا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام حلالًا في حياته؟
بينما عند أهل السنة، الاستغاثة والتوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام يستندان إلى مكانته الرفيعة، وهذه المكانة لا تزول بوفاته. فليس الجسد الشريف هو مناط التوسل، بل مكانة النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه المكانة ثابتة لا تزول. وبالتالي، فإن حكم التوسل والاستغاثة يبقى مشروعًا عند علماء الإسلام طالما أن العلة وهي المكانة قائمة.