تسجيل حساب جديد

تسجيل الدخول

نسيت كلمة المرور

نسيت كلمة المرور؟ يرجى إدخال بريدك الإلكتروني. سنرسل رابط لإعادة تعيين كلمة المرور الخاصة بك


أضف سؤال جديد

يجب عليك تسجيل الدخول لإرسال سؤالك

ما هي الصوفية ومن أين جاءت وما إسنادها

في البداية، يجب أن نفرق بين الواقع الذي يجمع بين الحق والباطل وبين أصل المسألة. ففي الواقع، هناك أشخاص لا يزالون يتمسكون بالطرق الصوفية الحقيقية، وهم من علماء الإسلام وصالحو الأمة، وأهل التأثير في الأمة. وفي المقابل، هناك من اكتفى بالتمسك بالمظاهر دون الجوهر، فركزوا على أمور سطحية وأهملوا حقيقة هذه الطرق.

لذا، علينا أن نعود إلى أصل المسألة. أساس القضية هو أن الإسلام جاء به الوحي جبريل الأمين على سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، واشتمل على ثلاثة أركان لا يكتمل الدين إلا بها، وهي الإسلام، والإيمان، والإحسان. بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، تعلم الصحابة والتابعون أصول الدين والفهم والاستنباط من خلال المنهج العملي الذي ورثوه. ولم تكن المعلومات مكتوبة حينها إنما أخذوا العلم بشكل عملي ومنهجي

الحديث الشريف تم تدوينه لاحقًا، ولكن المناهج الموروثة كانت تنتقل من جيل إلى آخر. سعيد بن جبير مثلًا، التقى بالعديد من الصحابة وتعلم منهم مباشرة، وكذا سعيد بن المسيب والحسن البصري عاشوا مع الصحابة وتعلموا منهم كيفية الصلاة والصوم وأمور الدين بشكل مباشر في عصر التابعين.

في عصر أتباع التابعين أصبحت الحاجة ملحة لتدوين العلوم مع توسع الأمة الإسلامية، وكان من الضروري البدء في تدوين العلوم، فبدأت الكتابة واختص كل فريقٍ بزمرة من الزمر. العلماء الكبار مثل أبي حنيفة، والشافعي، ومالك، وأحمد بن حنبل، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد لم يكن لديهم هذا التمايز الكبير بين العلوم. لذلك عرّف أبو حنيفة الفقه بأنه “معرفة النفس ما لها وما عليها”، وهذا يشمل العقيدة والسلوك والأخلاق.

ولكن مع مرور الزمن، بدأت الأمة تتجه نحو التخصص في العلوم. في عصر أبي حنيفة، كانت قواعد النحو تؤخذ بالفطرة، ولم تكن هنالك مدارس نحوية واضحة مثل مدرسة البصريين أو الكوفيين أو البغداديين، ثم لاحقاً المدرسة الأندلسية في النحو. كان تعلم اللغة العربية يتم بشكل مباشر، والفقه كذلك. فالإمام أبو حنيفة كان عالماً بالنحو، رغم أنه لم يتخصص في تدريسه، وكان يمتلك فهماً عميقاً للغة العربية، وكذلك الحال مع الشافعي وأحمد بن حنبل.

بعدهم بقليل، بدأ يظهر التخصص والتفرع في العلوم. على سبيل المثال، محمد بن الحسن الشيباني، تلميذ أبي حنيفة، كان ابن خالة الفراء، أحد أئمة مدرسة الكوفيين في النحو. أي أن المدارس بدأت في التشكل تقريباً مع عصر أبي حنيفة رحمه الله.

اتجه فريق من العلماء، بعد عصر أبي حنيفة بالذات لأنه أول إمام من الأئمة الأربعة، إلى تدوين الأحكام العملية. ومن أبرز رجال هذه المدرسة أصحاب أبي حنيفة، مثل محمد بن الحسن الشيباني، الذي كانت كتبه المعروفة بظاهر الرواية من أهم المصادر في المذهب الحنفي.

الإمام الشافعي تلقى العلم على يد محمد بن الحسن الشيباني، وكتب العديد من المؤلفات. والإمام مالك صنف “الموطأ”، وجاءت بعده “المدونة”. وهكذا بدأ التدوين في تلك الحقبة. هؤلاء العلماء ركزوا على الفقه وأدوا ما عليهم من واجب.

أما الحديث الشريف، فقد بدأ تدوينه على يد محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، ثم تبعه الإمام مالك، وتوالى العلماء بعد ذلك، حتى جاء عصر أحمد بن حنبل والبخاري، فظهرت المصنفات الكبرى في علم الحديث.

ومع مرور الوقت، ظهرت الفتن والفرق، وبدأت المناظرات والردود في علم العقيدة، وازدادت التخصصات. أهل الكلام اشتغلوا بالعقيدة، وأهل الفقه بالأحكام العملية، وأهل النحو بالصرف وتدوين اللغة العربية. أما علماء القراءات، فقد اهتموا بما ثبت من ألفاظ النبي عليه الصلاة والسلام، فحافظوا على النظم الشريف الذي هو كتاب الله تعالى، وبدأ التخصص في علوم القراءات.

إذن الإيمان كتبه علماء العقيدة والكلام، وأما الفقه والأحكام العملية فقد كتبها علماء الفقه. لكن ماذا عن الإحسان؟ العلم الذي هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والذي يشمل الأخلاق، من يتولى دراسة هذا العلم؟

الأحكام الفقهية كانت معروفة، والأولياء الصالحون الذين أخذوا العلم عن التابعين والصحابة كانوا موجودين، وكانوا يعلمون الناس من خلال حالهم وسلوكهم وليس من خلال الكتب. كانوا يعلمون الناس مراقبة الله وسبل الوصول إلى مقام التوبة، وكيفية التوبة الصحيحة وماهيتها.

هؤلاء الأولياء لم يكن لديهم اهتمام كبير بالتدوين كما اهتم الفقهاء والمحدثون. ولكن مع مرور الزمن، ظهرت الحاجة إلى تدوين هذا العلم. ولم تكن الحاجة ماسة إليه في العصور الأولى لأن الناس آنذاك تلقوا العلم كاملاً دون تمايز بين التخصصات.

علم العقيدة صار مناظرات والانتصار فيها أمر كبير، وقد يدخل في ذلك شيء من حظ النفس. كما أن علم الحديث قد يطلب لله وقد يطلب للدنيا، حتى قال بعضهم “إن من لذة الدنيا أن أقول حدثني مالك”. فكيف نفرق بين ما هو لله وما هو للدنيا ولشهوة النفس؟

هنا بدأت تظهر الحاجة لهذا العلم، وتأخر التصنيف فيه نسبيًا عن باقي العلوم، لأن الأصل فيه التلقي. كما هو الحال في علم التجويد والقراءات، حينما صنف ابن مجاهد في القراءات السبعة، كان ذلك في القرن الرابع الهجري، وهو تلميذ الطبري. وهكذا بدأ التصنيف في هذا العلم الذي يدرس مقام الإحسان، والذي عُرف بعلم التصوف.

في تصنيف هذا العلم تغلب الإشارة على العبارة، حيث نجد في أول ما كتب في علم التصوف، التعرف لمذهب أهل التصوف لأبو بكر محمد الكلاباذي، أنه بدأ بترجمة أبي سليمان الداراني. ومن ثم جاء القشيري، الذي بدأ أيضًا بالتراجم، حيث أراد أن يترجم حياة الصالحين وكيف عاشوا، فبدأ بمالك بن دينار والفضيل بن عياض.

ثم يأتي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، الذي يشرح كتاب القشيري، ويقول “بدأ بمن سبقت له من الله جفوة”، وهذا إشارة إلى مقام التوبة، حيث كانوا هؤلاء من العصاة فصاروا من الأولياء. وبالتالي، يدرك السالك أن التوبة هي أول مقامات السائرين إلى الله سبحانه وتعالى.

بعد ذلك، نجد ابن عطاء الله السكندري يقول: “رب معصية أورثت ذلًّا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزًّا واستكبارا”. فنجد أن القشيري تكلم في الإشارة، فجاء ابن عطاء الله السكندري يتكلم بالعبارة.

الأولياء هؤلاء أصحاب الإشارات موجودون في كل بلد. نجد في الشام أبو سليمان الداراني، في ما بلاد ما وراء النهر شقيق البلخي، في العراق معروف الكرخي، وفي مصر ذنون المصري. في كل بلد، لا يخلو بلد من قائم لله بحجة. هؤلاء الرجال أخذوا من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم والعمل والأخلاق.

تربية الناس تتطلب عدة وسائل يدخل فيها العنصر الاجتهادي. يبدأ المربي أولاً بمراعاة طبيعة الشخص الداخلية وما يميل إليه، ثم ينظر في البيئة التي يعيش فيها، وأخيراً يتأمل في نوعية الناس الذين يدعوهم إلى الله. من خلال مراعاة هذه المتغيرات، يأخذ المربي من الشريعة ما يناسب حاجة الناس، حيث اختار كل إمام من أئمة التصوف وسائل وطرقًا شرعية تتناسب مع حياته وبيئته والناس المحيطين به، فسمي اختيار ذلك الولي لهذا الأمر طريقة.

على سبيل المثال، أبو الحسن الشاذلي كان مغربي الأصل، وتنقلت دعوته في تلك المنطقة، وذهب إلى العراق، ثم استقر في مصر. كان أبو الحسن من كبار العلماء، فقيهًا مالكيًا ومتكلمًا بارعًا، وقد تتلمذ على يديه العديد من العلماء، مثل ابن الحاجب، الذي كان رمزًا في العلم الإسلامي.

نظر أبو الحسن إلى طبيعة المنطقة التي عاش فيها، ولاحظ حبهم للخفة والطرب، فنظر في الشريعة واختار الذكر الجهري، وهو موجود وثابت إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن الله تعالى”وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم”، فاختار ما يناسب طبيعة الناس.

بعد أبو الحسن الشاذلي، جاء محمد بهاء الدين المعروف بشاه نقشبند في منطقة ما وراء النهر، وهي منطقة تختلف في طبائعها عن أفريقيا. سكان تلك المناطق كانوا على الديانات الشرقية التي تميل إلى التأمل والهدوء والسكون. وبعد إسلامهم، جاء الأولياء واختاروا من شريعة الله ما يناسب طبيعة تلك البلاد. فاختار محمد بهاء الدين الذكر الخفي، كما جاء في الحديث “خير الذكر الخفي”.

هذه الاختيارات سميت بالطريقة، حيث أن كل إمام من الأئمة اختار وسائل شرعية تتناسب مع طبيعة الناس التي يدعوهم. وربما يجد في بيئته من لا يصلحه هذا الأمر، كأن يكون الشخص يعاني من الوساوس والشواغل أثناء الذكر، فيقول له عليك بالذكر الجهري.

إذن، الطريقة هي عبارة عن جملة من الاختيارات الشرعية المستنبطة من الشريعة الإسلامية، وهي مسائل اجتهادية تُراعى فيها أحوال الناس وظروفهم، مع التسليم الكامل بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام. إذ كل ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام هو حق وصدق، وكله حسن، ولكن الولي يختار منها ما يناسب الناس، فعرفت هذه بالطرق الصوفية.

أساس الطريقة الصوفية هو الالتزام بالشريعة والتمكن في العقيدة وإتقان علوم الدين بما يناسب حالة الشخص. فلا يقبل الصوفية متعبداً جاهلاً، بل يشترطون أن يتعلم المسلم الفرائض العينية التي يحتاجها في يومه وليلته لتصحيح عبادته وعقيدته. فالتصوف يقوم على العلم والعمل، وليس مجرد طقوس أو عبادات خالية من الفهم.

الطرق الصوفية التي نعرفها اليوم ظهرت مع أئمة كبار، ومن أقدمها ظهوراً الطريقة القادرية التي أسسها الإمام عبد القادر الجيلاني. كان رحمه الله فقيهاً شافعياً متقناً، ثم تحول إلى مذهب الحنابلة فصار إمام للحنابلة. بالإضافة إلى أنه كان ولياً من أولياء الله الصالحين ومن آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام.

الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله كان له تأثير كبير، وقد أجمع الناس على إمامته، حيث تبعه السياسيون والعلماء وعامة الناس. وبعده بقليل جاء الشيخ أحمد الرفاعي، وهو أيضاً فقيه شافعي وأشعري الاعتقاد، عرف بأدبه وخلقه الرفيع. أحب الناس الشيخ أحمد الرفاعي كثيراً، وأصبح مثالاً للتضحية والفداء، وهو أيضاً من آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام.

قد يسأل سائل: “أين كانت هذه الطرق الصوفية في عصر الصحابة والتابعين؟” والإجابة أن هذه مدرسة جاءت باختيارات شرعية لما جاء به الشرع الشريف. فهي مدارس شرعية تستند إلى أصول ثابتة في الشريعة، وكل طريقة صوفية لها إسناد متصل بالنبي عليه الصلاة والسلام.

فكما ظهرت مدارس فقهية كالحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، ومدارس في العقيدة كالأشعرية والماتريدية، كذلك ظهرت مدارس في تزكية النفس عُرفت بالطرق الصوفية. هذه المدارس أخذت من الشريعة ما يناسب أحوال الناس وطبائعهم، وسميت هذه المدارس بأسماء مؤسسيها.

كما أن الاعتراض ينبغى أن يكون على التأصيل، وليس على التطبيق. فإذا جاء شخص بأصل مخالف للشريعة، فهو مردود كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”. وكل الأئمة الصوفية لهم أسانيد علمية وروحية، وشهدت لهم الأمة بالتقدم والفضل.

ما يختلط على البعض هو عدم التمييز بين الطرق الصوفية الصحيحة وبين أدعياء التصوف. فعندما يدعي أحدهم أنه فقيه وهو جاهل، هل هذا يكر على أصل الفقه ومدارس الفقه بالبطلان؟ أبدًا. ولذلك المشكلة تقع عند عدم التفريق بين الطرق الصوفية وبين أدعياء التصوف.

من الصوفية الذين هم أصحاب طرق وشيوخ طرق، مثلاً الدكتور عبد الحليم محمود، شيخ الطريقة الشاذلية. هذا الرجل يحمل الدكتوراه وخريج أصول الدين وعالم أزهري من كبار علماء الأزهر الشريف، أتم دراسته حتى أخذ العالمية، ثم انتقل بعد ذلك إلى فرنسا وأخذ دكتوراه من جامعة السوربون أعرق جامعات فرنسا.

أيضًا من كبار شيوخ الطريقة الشاذلية الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي أجمعت الأمة على إمامته في التفسير، وعرفه القاصي والداني، وخير من فسر كتاب الله تعالى في عصرنا هذا. كذلك الشيخ عبد الله سراج الدين، وهو محدث من الطراز الأول وحافظ لعلوم الحديث الشريف، وكان شيخ الطريقة الرفاعية في سوريا.

كذلك الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله، والذي أجمع الناس على إمامته وتقدمه. وهو عالم متقن ولكنه لم يشتغل بالعلوم، بل اشتغل بجمع الناس على الله تعالى.

أما الطريقة النقشبندية فحدث ولا حرج، أكثر من وصل رتبة مشيخة الإسلام في الدولة عثمانية كان نخشبندي الطريقة. ومن أهل عصرنا هذا، الشيخ ابن عابدين خاتمة المحققين، له كتاب اسمه “سل الحسام الهندي في نصرة مولانا خالد النقشبندي”، وخالد النقشبندي هو شيخ الطريقة النقشبندية، ومن يسل له الحسام دفاعًا عنه العلامة ابن عابدين خاتمة المحققين وكبير علماء الحنفية. 

ومن القراء الشيخ شكري اللحفي رحمه الله وهو ترجمان محلف في اللغة الفرنسية وله استدراكات حتى على مناهج الدراسة. وكان كاتب قصصي، وخطاط من الطراز الأول، وجامع للقراءت العشر، ومن أفضل القراء في سوريا، وهو شيخ الطريقة الشاذلية.

وإن ذهبت إلى بلاد ما وراء النهر، تجد الشيخ محمد الصادق ابن الشيخ محمد يوسف الانديجاني، الذي كان كبير علماء بلاد ما وراء النهر ومفتيًا لفترة طويلة، وكان نقشبندي الطريقة.

إذن، هناك نظرة غير موضوعية لدى بعض الناس تجاه الصوفية والطرق الصوفية، فإلى عصرنا هذا كل المتصدرين الكبار الذين سلمت لهم الأمة بالإمامة كانوا من أهل الطرق الصوفية، ولكن هم أهل الخفاء لا يهتمون بإظهار طرقهم الصوفية في كل مكان، بل كان شغلهم الشاغل جمع الناس على الله تعالى.