دأب المحبون لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام على الابتهاج واستقبال شهر ربيع الأول المبارك بالفرح والسرور، فهو الشهر الذي شهد ميلاد رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذي جاء بالخير والفتح والبركة للمسلمين. ومنذ ذلك الحين، اعتاد المسلمون على الاحتفال بمولده الشريف، وما زال المحبون يحتفلون بهذه المناسبة العظيمة. في الماضي، كانت الاحتفالات بهذه المناسبة أكثر بروزًا وعظمة، خاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وقد أشار إلى ذلك العديد من الرحالة مثل ابن جبير، وابن بطوطة، وغيرهم ممن زاروا بيت الله الحرام ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام في تلك العصور الذهبية، حيث وصفوا روعة احتفالات المسلمين بسيد الخلق و فخر الكائنات سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
فما هو المولد؟
المولد من الولادة، والمراد به ميلاد سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وقد اتفق أهل السير على أن النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام وُلد في شهر ربيع الأول، في عام الفيل، وهو العام الذي هاجم فيه أبرهة الحبشي بيت الله الحرام بالفيل.
وكان من إرهاصات مبعثه الشريف عليه الصلاة والسلام أن الله سبحانه وتعالى حمى بيته الحرام من الغزاة ونصر أهله، وكانت سنة خير وسرور وفرح للناس جميعًا. كما أجمع أهل السير على أن السنة التي وُلد فيها النبي المصطفى كانت من أخصب السنوات التي مرت بها جزيرة العرب، حيث نزل الخير والرزق والمطر من كل مكان.
المسلمون رؤوا الابتعاد عن منهج النبي عليه الصلاة والسلام، وأكثر المسلمين، ممن ولد في الإسلام، لم يعرف رسوله عليه الصلاة والسلام حق المعرفة، والله تعالى أمرنا بمعرفة النبي عليه الصلاة والسلام، وأنكر على الذين لا يعرفون رسولهم، كما قال تعالى: “أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون”.
الجيل الأول رأى النبي عليه الصلاة والسلام واكتحلت عيونهم بذلك النور والجمال الذي الذي وُصف بأنه أجمل من القمر في ليلة اكتماله. عاشوا معه، أكلوا وشربوا معه، ودافعوا عنه في المعارك، وشهدوا أخلاقه النبيلة وصفاته الحميدة، وروا سيرته لنا، لذا كانوا يعرفونه حق المعرفة.
أما الجيل الذي تلاهم، فكان قريبًا من هؤلاء الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعلموا منهم وتأثروا بهم. لكن مع مرور الزمن، نشأت أجيال كثيرة لم تعرف النبي صلى الله عليه وسلم حق المعرفة، خاصةً بين عامة المسلمين. من هنا، شعر أهل العلم بواجبهم في تعريف الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا وناقشوا هذا الأمر مع السلاطين في ذلك الوقت، واعتبروا أن الاحتفال بمولده الشريف هو سنة حسنة تسهم في إحياء ذكره وتعريف الناس به عليه الصلاة والسلام.
إذن، المولد هو مناسبة لإظهار الفرح والسرور بميلاد سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُعبر عنها بمظاهر البهجة والاحتفال.
ما هي تفاصيل الاحتفال بالمولد؟
يتضمن الاحتفال عادة تلاوة القرآن الكريم، حيث تُقرأ آيات تركز على فضل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أو الصلاة عليه، أو ذكر مدائحه التي مدحها الله تعالى في كتابه. بعد ذلك، يتحدث أحد العلماء أو الصالحين، ويذكّر الناس ببعض شمائل النبي الشريفة. كما يتخلل الاحتفال إنشاد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم لتحبيب الناس به، وتُقرأ السيرة النبوية والشمائل الشريفة بإيجاز، بأسلوب أدبي لطيف يبرز جمال صفاته عليه الصلاة والسلام. وإذا كان هناك عدد من العلماء، كل يتكلم عن جانب من الجوانب التي تمس سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، أو تحل مشكلة من مشكلات المسلمين، أو تعلم الناس بعض أحكام دينهم.
هذا هو المولد النبوي الشريف، ما هو إلا تذكير الناس بسيدنا محمد الرسول الله الصلاة والسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم يختم الأمر بتقديم الطعام كتعبير عن الفرح والزينة.
خلال المولد، يُكثر الناس من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشمل ذلك تلاوة القرآن، وذكر الله، وإنشاد القصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله. يتم تقديم الطعام، وربما يستخدم البخور، والزينة، والعطور، أو توزع الحلوى. بعد ذلك، ينصرف الناس إلى بيوتهم وقد عرفوا شيئًا من شمائل ومكارم النبي صلى الله عليه، وأحكام الدين التي جاء بها من عند الله سبحانه وتعالى.