شارك
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
سؤال
ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي، خصوصًا ونحن نرى مشايخ يقولون أنه غير جائز ويعدونه بدعة، ويقدمون أدلة على ذلك، مثل أنه لم يرد ولم يدلنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم. فما هو القول الصحيح في هذه المسألة؟
الإجابة
أكثر علماء الإسلام المتبوعين من أهل المصنفات الذين عاصروا المولد النبوي ومن جاء بعدهم حتى يومنا هذا، يعتبرون الاحتفال بالمولد النبوي أمرًا مستحسنًا ويرونه سنة حسنة. فعلى سبيل المثال، إذا عدت مئة سنة إلى الوراء وزرت الأزهر الشريف، فلن تجد عالمًا واحدًا ينكر المولد. وكذلك الأمر في إندونيسيا وماليزيا، وبلاد السند، وبلاد الشام، والمغرب العربي، لن تجد من ينكر المولد في بلاد المسلمين.
الدليل الأول: لننظر في مفردات المولد ما هي؟ قراءة القرآن، وهو متعبد بتلاوته لا يحتاج إلى دليل؛ تقديم الوعظ والإرشاد للمسلمين، وهو أمر مطلوب في الإسلام، حيث أمرنا القرآن بذلك؛ إطعام الطعام محبةً في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من الأعمال التي تقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام”. كما قال تعالى: “ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا (8) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا”. وهذا ما يُفعل في المولد، حيث يُطعم الطعام حبًا في الله ورسوله.
إذن، نحن نتحدث عن قراءة القرآن، والصلاة على سيد الأكوان صلى الله عليه وسلم، وهي من الأعمال العظيمة التي جاءت بها الشريعة. بالإضافة إلى قراءة الشمائل الشريفة، وهي جزء من علوم الدين التي ينبغي نشرها بأمر القرآن والسنة، وأيضًا إنشاد الأناشيد التي تذكر الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وتزيدهم حبًا له.
فإذا كانت كل هذه الأعمال مشروعة في الشريعة، فكيف يمكن أن يكون اجتماعها في المولد حرامًا؟ بالتالي، كل مفردة من مفردات المولد جاءت به الشريعة، واجتماعها لا يخالف الشريعة.
الدليل الثاني: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة” تعبير “سنة حسنة” هنا جاء بصيغة النكرة في سياق الشرط، والمقرر في علم أصول الفقه النكرة في سياق الشرط تعم. كما أن القاعدة الأصولية تنص على أن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب.
الدليل الثالث: ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم يوم الاثنين، فسُئل عن سبب صيامه، فقال: “ذلك يوم وُلدتُ فيه.” أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتفل بذكرى مولده كل أسبوع من خلال عبادة الصيام. إذاً، ما قام به النبي عليه الصلاة والسلام هو ممارسة عبادة من العبادات في اليوم الذي وُلد فيه، فعلمنا أن أصل هذا الشيء جاء في الدين.
الدليل الرابع: قال الله تعالى: “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا” وأي فضل أعظم من نعمة الله علينا ببعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله الله رحمةً للعالمين كما قال تعالى: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.” إذاً، يجب علينا أن نفرح بفضل الله ورحمته.
وما هو أعظم نعمة وفضل من الله؟ إنه سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن قال قائل إن الفرح بهذه النعمة يتطلب العبادة والعمل الصالح، نجيبه بأننا نطلب منك العبادة والعمل الصالح، وأيضًا نطلب منك أن تفرح بنبيك صلى الله عليه وسلم.
أولًا: بالنسبة لقولهم أن المولد لم يرد، فنقول إن عدم ورود الأمر ليس دليلًا على التحريم، لأن هذا ترك، والترك ليس بحجة. في فهمنا للكتاب والسنة، نرجع إلى أصول الفقه، ولا يوجد في أصول الفقه قاعدة تُسمى “لم يرد”. فإذا ورد النهي صريحًا، نقول: سمعنا وأطعنا، أما “لم يرد” فلا يمكن اعتباره دليلًا شرعيًا.
ثانيًا: عندما يقولون إن الأصل في العبادات هو المنع، فإننا نقول إنهم لم يفهموا هذه العبارة بشكل صحيح. العلماء يقصدون في هذه العبارة العبادات التعبدية، وهي الأمور التعبدية غير معقولة المعنى. على سبيل المثال: صلاة المغرب ثلاث ركعات ولا تُقصر في السفر، بينما صلاة العشاء تُقصر. فإذن، الأصل في العبادات التعبدية هو المنع، لأنها لا تخضع للقياس. ما ورد منها على خلاف القياس، لا يُقاس عليه غيره.
ثالثًا: عندما يستدلون بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”، نقول لهم إن هذا الحديث هو حجة عليكم وليس لكم. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما ليس منه”، والمولد منه، لأنه يتضمن ذكر، وعبادة، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإطعام الطعام في سبيل الله، وكل هذه الأمور من دين الإسلام.
النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما ليس منه”، ومفردات المولد كلها من دين الإسلام. وهذا ما أكده الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه في كتابه العظيم “الرسالة”، حيث قسم البدعة إلى نوعين: بدعة حسنة وبدعة قبيحة. والفرق بينهما يكمن في المخالفة أو الموافقة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فالبِدعة المخالفة هي البدعة القبيحة.
رابعًا: عندما يستدلون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم “كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار”، نقول صحيح أن “كل” من أدوات العموم، ولكن في علم الأصول هناك شيء اسمه المقتضى، وهو ما يقتضيه اللفظ ليكون صحيحًا. لأن ظاهر اللفظ يعني أن كل شيء جديد هو بدعة، وهذا سيخلق تضارب مع حديث “من سن في الإسلام سنة حسنة”، فكيف نوفق بينهما؟
كما أن هناك أفعال قام بها الصحابة، مثل جمع المصاحف في مصحف واحد في زمن سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وتوحيد المصاحف في زمن سيدنا عثمان رضي الله عنه، وإقامة المحاريب، وإنارة المساجد، وغيرها من الأمور التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم. فما هو المقتضى الذي يجب أن يذكر هنا حتى يكون الحديث معمولا به؟ إنه “كل بدعة مخالفة”.
وهناك أمثلة كثيرة لهذا في الدين،. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه”، ورغم ذلك، هناك دية الخطأ، فكيف تُرفع؟ المقصود هنا هو رفع الإثم عن الخطأ، وليس رفع الحكم الشرعي. إذن، “كل بدعة ضلالة” تعني كل بدعة مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا الفهم تتوافق النصوص لا يضرب بعضها بعضًا.
عندما نقول “كل بدعة مخالفة”، يتوافق ذلك مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من سن في الإسلام سنة حسنة”، ومع قوله: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”. إذًا، كل بدعة ضلالة عندما تكون مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما أكده السلف والعلماء الراسخون في العلم.
خامسًا: قولهم أن من يقر المولد يتهم النبي عليه الصلاة والسلام بالنقصان، لأنهم يعتقدون أنه لو كان خيرًا لكان النبي صلى الله عليه وسلم قد دلنا عليه. فنرد عليهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد دلنا عليه بالفعل، لأن كل مفردات المولد جاءت في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد دلنا عليه بقوله: “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.”
إذن، النبي صلى الله عليه وسلم دلنا عليه، ونحن نفعل ما أمرنا به. فمفردات المولد تشمل قراءة القرآن، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب ذلك ويثيب المادحين، حتى أنه أعطى بردته الشريفة لكعب بن زهير.
أخيرًا نقول لنفترض أننا، وهذا يشمل المحدثين والفقهاء والصالحين والأولياء، اجتهدنا في هذا الأمر وأخطأنا، وأنتم اجتهدتم وأصبتم، فإننا سنحصل على أجر واحد وهو أجر اجتهاد الخطأ، بينما ستأخذون أنتم أجرين.